رجوع
كل صباح عندما تستيقظ من النوم تنظر من النافذة نحو الأفق الممتد الى ما لا نهاية, كأنها تتمنى أن تراه قادما. لا, انها لا تتمنى قدومه, بل هي تنتظره و تعرف أنه سيأتي يوما ما. تطيل التحديق الى أن تمل فتلرتدي ملابسها و تغادر.
في ذاك اليوم استيقظت مبكرا,استفاقت فجأة, كان ذهنها فارغا من أي بقايا أحلام,على خلاف العادة لم يراودها كابوس الهوة التي تسقط فيها الى ما لا نهاية, أو الشبح الذي يجثم على أنفاسها دون أن تستطيع الصراخ. كانت خيوط من أشعة الشمس الأولى تجتاز زجاج النافذة و تنساب بهدوء على الأرض ثم الجدار بلون برتقالي دافئ. لأول مرة منذ فترة تبتسم عند استيقاظها. اتجهت نحو انافذة بآلية, كان شروق اشمس مبهرا, أو ربما هي رأته هكذا, فشروق الشمس هو ذاته كل يوم. في السماء تراءى لها سرب من صغير من الطيور. رى هذه الطيور قادمة أم مغادرة؟ لم تعلم لماذا أحست أن هذه الطيور عائدة الى أعشاشها بعد أن ولى برد الشتاء.
أجل, لقد ولى الشتاء, شجرة البرتقال التي بدأت براعم أزهارها تتفتح تقول ذلك. إنه الربيع, أول مرة منذ سنوات تلحظ قدوم الربيع, فكل الفصول أضحت سواء عندها منذ... لكنها اليوم تشعر بشئ مختلف, شئ يبعث على الحياة و يبث في داخاها مشاعر كادت تنساها. في طريقها مرت بالحديقة, لا تزال جميلة كعهدها بها. الأشجار في المدخل , و الأزهار الحمراء و الوردية و الصفراء, حتى المقاعد لم تتغير. وهي؟ هل تغيرت؟ صحيح أن المرض أضفى بعض الشحوب على وجهها كن عينيها ماتزالان فاتنتين, و شعرها البني ماتزال خصلاته طويلة, لم تقصه أبدا لرغم أن الشعر القصير يجعلها أجمل " شعرك الطويل يأسرني" تتذكر و ابتسامة صغيرة تعلو وجهها.
في طريق عودتها إلى المنزل اشترت باقة من النرجس, كان دائما يهديها زهور نرجس. وضعتها وسط الطاولة في إناء. الغرفة تبدو أجمل عندما تزينها الزهور. الليلة مقمرة, و النجوم تتلألأ كقطع من الماس ترصع السماء. استلقت في سريرها و ظلت تحدق في القمر إلى أن غلبها النوم. هل تحلم؟ لا يبدو حلما, إنها تهوي, لكن كريشة يحماها الهواء. لم تكن خائفة, و عندما لامست الأرض لم تشعلر بعنف الارتطام. كانت في الحديقة, و الزهور كلها أصبحت بيضاء, تماما كالنرجس.
في الصباح لم تتجه نحو النافذة, و لم تنظر نحو الأفق. لقد بقيت في الحديقة حيث الشروق الذي لا يتبعه الظلام. لن تعود إلى هنا.
يومان بعد حياها وصلت بطاقة باسمها مكتوب عليهاّ: "سأصل الأسبوع المقبل, اشتقت إليك, قبلاتي" كان احساسها صادقا, الطيور عادت, فقد حل الربيع .